قد تتذمرين كل فترة إلى حد البكاء والشكوى من أن والدك رفض ذهابك إلى إحدى
الرحلات خارج البلاد، أو أن والدتك أجلت شراء شيء ما كنت تطلبينه، وتنسين أن لديك
الكثير مما يستحق أن تشكري الله عليه وأن تشعري بالامتنان تجاه والديك من أجله.
فأنت تعيشين في بيت جميل تحت رعاية والديك وعلى نفقتهما وتقيمين في غرفة بمفردك
أو مع إحدى شقيقاتك على أقصى تقدير، لديك هاتفك الجوال الذي تحدثين من خلاله
صديقاتك وتتصفحين عليه مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عبر الإنترنت، لديك مكتب
أنيق لتستذكري دروسك عليه وجهاز كمبيوتر لتستخدميه في كافة الأغراض التي
تريدينها.
لديك كل هذا وأكثر، بينما هناك الكثير من الفتيان والفتيات لا يملكون هاتفا أو
حاسبا شخصيا... وأحيانا لا يملكون حتى سقفا يعيشون تحته!
هل تعلمين أن ملايين من الأطفال والمراهقين في وطننا العربي، بل وفي العالم
يقضون حياتهم أو على الأقل جزءا منها بلا مأوى وينضمون إلى من لا يجدون مكانا يضمهم
سوى الشارع؟
آلاف من هؤلاء كانوا ضحايا انفصال الوالدين وانشغال كل منهما بحياته مما دفعهما
للتخلص في مرحلة ما من الأبناء المرفوضين من شركاء حياتهم الجدد، ولا يجد الابن أو
الابنة مكانا إلا الشارع، بكل المخاطر والمخاوف والأزمات التي يمتليء بها.
لقد عرضت قناة MTV الفضائية مؤخرا فيلما وثائقيا خاصا مدته 90 دقيقة، قام المخرج
خلاله بتتبع حياة ويوميات ثلاثة من المراهقين المشردين الذين لا مأوى لهم سوى
الشارع.
يستعرض الفيلم مدى صعوبة حياة هؤلاء، وكم المشاكل والمخاطر التي يتعرضون لها
أكثر من مرة يوميا لعدم وجود أسرة ترعاهم أو بيتا يقيمون به.
الكثيرون من المراهقين المشردين ينحرفون بشتى السبل، فمنهم من يسير في طريق
المخدرات أو التسول أو الدعارة أو السطو والبلطجة، لكنهم في النهاية ليسوا سوى
ضحايا المجتمع... ضحايانا.
قامت بالتعليق الصوتي على الفيلم الوثائقي "آن ماهلوم"، وهي مؤسسة إحدى المنظمات
الخيرية التي لا تهدف إلى الربح، واسمها "حتى أقف على قدميّ" أو "On My Feet".
تهدف هذه المنظمة إلى مساعدة المشردين من المراهقين على الحياة باستقامة،
والابتعاد عن المشاكل والأزمات، ومحاولة تدبير المأوى لهم بالإضافة إلى مصدر رزق
آمن لا يدخلهم في أي مصادمات مع القانون أو يعرض حياتهم للخطر.
لكل ما سبق يجب أن تشعري بالدفء والامتنان لكل ما ترفلين فيه من نعم وامتيازات
حرم منها غيرك، كما يجب عليك شيء آخر لا يقل أهمية: انظري بعين جديدة للأطفال
والمراهقين من المشردين بالشوارع. لا تحتقريهم أو تزدري مظهرهم غير النظيف أو
المنهدم. تعاطفي معهم أولا، وتفهمي الوضع الصعب والخطير الذي يعيشون فيه ثانيا،
وثالثا حاولي مد يد المساعدة لأي منهم إذا أتيحت لك الفرصة.
فإن كانت هناك في الحي الذي تسكنين فيه فتاة مشردة، تعاملي معها باحترام كإنسانة
لا تقل عنك في شيء، امنحيها بعضا من ملابسك المستعملة من حين لآخر، وقدمي لها وجبة
طعام ساخنة بالتنسيق مع والدتك كلما سمحت الظروف، وأغطية تقيها شر برد الليل لأنها
تقضي ليلتها دون أن يظلها سقف يحميها.
لو كانت تجهل القراءة والكتابة، ووجدت لديك الاستعداد والوقت الكافي لتعليمها،
فقد فعلت خيرا كبيرا، ولو استطعت بمساعدة والديك وعلمهما أن تساعديها في الحصول على
عمل شريف يكفل لها رزقا حلالا، فستكونين قد قدمت لها خدمة جليلة.
ولكن في جميع الأحوال، إذا لم تتمكني من تقديم مساعدة ملموسة لمثل هؤلاء الأشخاص
المساكين، فعلى الأقل لا تسيئي لهم بنظرة أو عبارة جارحة، ولا تنسي في النهاية أنهم
بشر كل جريمتهم في الحياة الحظ العاثر.