كان الملك بخت نصر،(1) قد قدم بيت المقدس من الشام، فقتل بني إسرائيل، وأخذ
مدينة بيت المقدس عنوة، وسبى ذراريهم، وفي السبى دانيال(2) عليه السلام، وكان
هذا الملك قد جاءه المنجمون وأصحاب العلم قبل ذلك، وقالوا له: أنه يولد ليلة
كذا وكذا غلام يعور – يعني يعيب – ملكك ويفسده، فقال الملك والله لا يبقى تلك
الليلة غلام إلا قتلته، إلا أنهم أخذوا دانيال فألقوه في أجمة الأسد فبات الأسد
ولبوته يلحسانه ولم يضراه، فجاءت أمه، فوجدتهما يلحسانه فنجاه الله،
قال علماء تلك القرية فنقش دانيال صورته وصورة الأسدين يلحسانه في فص خاتمة
لئلا ينسى نعمة الله عليه في ذلك). رواه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن.
وفي لفظ: إن نبيا، كان في بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام بزمن طويل، يقال له
دانيال، وأن قومه كذبوه، فأخذه ملكهم، فقذفه إلى أُسْدٍ مجوّعة في جبّ، فلما
اطلع الله تعالى على حسن إتكاله عليه، وصبره طلباً لما يديه أمسك أفواه الأسد
عنه، حتى قام على رؤوسها برجليه، وهي مذللة، غير ضارة له، فبعث الله تعالى
إرميا من الشام، حتى تخلص دانيال من هذه الشدة، وأهلك من أراد إهلاك دانيال.
فعن عبد الله بن أبي الهديل قال:
ضرّي بخت نصر أسدين، فألقاهما في جبّ، وجاء بدنيال فألقاه عليهما، فلم يهيجاه،
فمكث ما شاء الله، ثم اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب، فأوحى الله
إلى إرميا،(3) وهو بالشام، أن أعد طعاماً وشراباً لدانيال، فقال: يا رب، أنا
بالأرض المقدسة، ودانيال بأرض بابل من أرض العراق، فأوحى الله تعالى إليه أنّ
أعد ما أمرناك به، فإنا سنرسل إليك من يحملك، ويحمل ما أعددت ففعل، فأرسل الله
إليه من حمله، وحمل ما أعدّ، حتى وقف على رأس الجبّ.
فقال دانيال: من هذا؟
قال: أنا إرميا.
قال: ما جاء بك؟
قال: أرسلني إليك ربُّك.
قال: وذكرني؟
قال: نعم.
قال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه، والحمد
لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره،
والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً، وبالسيئات غفراناً، والحمد لله الذي
يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يكشف ضرّنا، بعد كربنا، والحمد لله الذي هو
ثقتنا، حين تسوء ظنوننا بأعمالنا، والحمد لله الذي هو رجاؤنا، حين تنقطع الحيل
منا.
--------------------------
(1) أونبوخذ نصر (604 ق.م – 561 ق. م) ملك بابل، أغار على مصر، وفتح أورشليم
(القدس) وأحرقها، وأجلى أهل يهوذا إلى بابل (المنجد).
(2) النبي دانيال: صاحب سفر دانيال من أسفار العهد القديم، وهو بطل نبوءة
دانيال، وضعه التقليد المسيحي في عداد الأنبياء الكبار الأربعة، انظر (المنجد)
والبداية ج 2/ 36 – 38، وقد وجدوا الصحابة قبره وما يتعلقه به في الفتوح التي
وقعت في عهد عمر بن الخطاب.
(3) إرميا: أحد كبار أنبياء بني إسرائيل الأربعة، دعي إلى النبوة قبل انقراض
مملكة يهوذا، وقاس من ملوكها الاضطهادات. انظر المراجع السابقة.