لما مات موسى عليه السلام، خرج ببني إسرائيل من التيه يوشع بن نون عليه السلام،
فقطع ببني إسرائيل، نهر الأردن، وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سوراً
وأعلاها قصوراً وأكثرها أهلاً فحاصرها ستة أشهر، ثم إنهم أحاطوا بها يوماً
وضربوا بالقرون يعني الأبواق، وكبروا تكبيرة رجل واحد فتفسخ سورها وسقط وجبة
واحدها، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم وقتلوا إثنى عشر ألفاً من
الرجال والنساء، وحاربوا ملوكاً كثيرة، وظهر على أحد عشر ملكاً من ملوك الشام،
وانتهى محاصرته لها إلى يوم الجمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب
ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم، وشرع لهم ذلك الزمان قال لها: إنك مأمورة
وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ فحبسها الله عليه حتى تمكن من فتح البلد، وأمر
القمر فوقف عند الطلوع.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس
لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس). رواه أحمد وهو على شرط
البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع(1) امرأة وهو يريد
أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بني بنياناً ولم يرفع سقفها، ولا آخر قد
اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية حين صُلى العصر
أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ
شيئاً، فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا، فأتت النار لتأكله فأبت
أن تطعمه، فقال: فيكم غلول،(2) فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد
رجل بيده، فقال: فيكم الغلول ولتبايعني قبيلتك فبايعته قبيلته فلصق بيد رجلين
أو ثلاثة قال فيكم الغلول، أنتم غللتم فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال:
فوضعوه بالمال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا
ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا) انفرد به مسلم من هذا الوجه.
ولما استقرت يد نبي إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه، وبين أظهرهم نبي الله
يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة، حتى قبضه الله إليه وهو ابن مائة وسبع
وعشرين سنة، فكان مدة حياته بعد موسى سبعاً وعشرين سنة.
--------------------------
(1) البضع: الجماع، أو الفرج نفسه.
(2) الخيانة وسرقة الغنائم.