السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد مدح الله المؤمنين الذين يقيمون الليل، ويتخذون الليل مطية إلى الجنة
فقال تعالى :" تتجافى جنوبهم عن المضاجع " وقال أيضا: ( كانوا قليلا من
الليل مايهجعون*وبالأسحار هم يستغفرون ) وروى البخاري ومسلم قوله صلى الله
عليه وسلم : "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ورويا أيضا قوله: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ورويا أيضا أنه (عليه الصلاة والسلام) "كان إذا دخل العشر أي: الأواخر من
رمضان أحيا الليل كله، و أيقظ أهله وشد المئزر".وهناك أسباب معينة على قيام
الليل وهي كثيرة يذكرها فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة
العربية السعودية:
1- الإخلاص لله تعالى : كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه : (
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ، فكلما قوي إخلاص العبد
كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات ، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بشر هذه الأمة بالسناء والدين
والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن
له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825 . قال مطرف بن عبدالله
بن الشخير : صلاح العمل بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح النية . قال ابن
القيم رحمه الله : وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه
سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم
ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك . ولذا حرص السلف
الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس
الداري رضي الله عنه فقال له : كيف صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً ثم
قال : والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل
كله ، ثم أقصه على الناس . وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ، فإذا قرب
الفجر رجع فاضطجع في فراشه ، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك
الساعة .
2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام :
فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان
ذلك أدعى للاستجابة ، قال تعالى : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً
نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ) ، قال سعد بن
هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت : ألست تقرأ ( يا أيها المزمل ) قلت : بلى ، فقالت : إن
الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه حولاً ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى
أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة .
رواه مسلم .
3 معرفة فضل قيام الليل : فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله
تعالى ، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت ، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما
ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى صلى الله عليه وسلم قال :
" أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصيام
بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " رواه مسلم . وعن عبدالله بن عمرو رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحب الصلاة إلى الله صلاة
داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه
، وينام سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً " متفق عليه . وعن عمرو بن عبسة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف
الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " رواه
الترمذي والنسائي . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : " عجب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين
أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا : أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار
من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي ، وشفقة مما
عندي " رواه أحمد وهو حسن ، صحيح الترغيب 258 . وقيام الليل يطرد الغفلة عن
القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام
بمائة آية لم يكتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين "
رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن ، صحيح الترغيب 635 . قال يحى بن معاذ :
دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل
، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .
4-النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له :
فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل ، ويفرحون به أشد الفرح ، قال عبد الله
بن وهب : كل ملذوذ إنما له لذة واحدة ، إلا العبادة ، فإن لها ثلاث لذات :
إذا كنت فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أعطيت ثوابها . وقال محمد بن المنكدر :
ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء الإخوان ، والصلاة
في جماعة . وقال ثابت البناني : ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام
الليل وقال يزيد الرقاشي : بطول التهجد تقرعيون العابدين ، وبطول الظمأ
تفرح قلوبهم عند لقاء الله . قال مخلد بن حسين : ما انتبهت من الليل إلا
أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي ، فأَغتمُّ لذلك ، ثم أتعزى بهذه
الآية ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) . وقال أبو
عاصم النبيل : كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته . وعن القاسم بن معين
قال : قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى
وأمر) يرددها ويبكي ، ويتضرع حتى طلع الصبح . وقال إبراهيم بن شماس : كنت
أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام . وقال أبو بكر المروذي : كنت مع
الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار ،
فما علمت بختمة ختمها ، وكان يسرّ ذلك . وكان الإمام البخاري : يقوم
فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن ، فيختم
عند السحر في كل ثلاث ليال . وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ
الإسلام ابن تيمية : وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه ،
ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن ، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية
والنهارية ، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة
ويسرة . وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم : وكان ذا عبادة وتهجد وطول
صلاة إلى الغاية القصوى ، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث
وحقائق الإيمان . وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي : وقد
لازمته ، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف .
5- النوم على الجانب الأيمن :
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن ،
كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلّفه
عليه ، ثم ليضطجع على شقه الأيمن ، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه
إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "
متفق عليه . وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن "
متفق عليه ، وعن حفصة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني ، صحيح
الجامع 4523 . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وفي اضطجاعه صلى الله عليه
وسلم على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر ، فإذا نام
على شقه الأيسر استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ،
فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه
مستقره وميله إليه .
6-النوم على طهارة
تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى اله عليه وسلم
قال : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق عليه ، وعن معاذ بن جبل
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يبيت على ذكر
طاهراً فيتعارّ من الليل ، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا
أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد ، صحيح الجامع 5754 . وجاء من حديث ابن
عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طهّروا هذه
الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك ،
لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال : اللهم اغفر لعبدك ، فإنه بات طاهراً "
رواه الطبراني ، قال المنذري : إسناد جيد ، صحيح الجامع 3831 .
7- التبكير بالنوم : النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية ، وخصلة حميدة ،
وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان يكره النوم قبلها
والحديث بعدها " رواه البخاري ، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله
: "وكان يكره النوم قبلها " قال : لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها
مطلقاً ، أو عن الوقت المختار ، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح ،
أو عن وقتها المختار ، أو عن قيام الليل .