فإننا
نهنئك على ما من الله به عليك من حفظ كتابه العزيز، فلا ريب أن هذه النعمة
هي من أعظم النعم، وأجل المكرمات، بل إن الله جل وعلا قد أمرنا بأن نفرح
بهذه النعم، وأن نعلم قدرها العظيم كما قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
والمقصود أنك قد خصك الله بنعمة حفظ كتابه، وجعلك من أهل القرآن، الذين هم
أهل الله وخاصته، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أهل
القرآن هم أهل الله وخاصته" فانظر إلى هذا التشريف العظيم، وإلى هذه
المنزلة التي وهبها الله إياك، كيف من الله عليك بأن جعلك من أهل القرآن،
ومن أهل الدين، فكيف ينبغي أن تقابل هذه النعمة.
فهل يصح أن تقابل هذه النعمة، بالإعراض عنها إلى أمر يغضب الله!! وهل يصح
أن تستبدل بسماع آيات الذكر الحكيم سماع الأغاني وأهل الطرب والفساد!! وهل
تحب أن تكون مما يدخل في قوله تعالى: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو
خير...}!! فانتبه ـ يا أخي ـ بارك الله فيك، فإنك قد ورثت الميراث النبوي،
ورثت القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمع إلى ما يقوله – صلى
الله عليه وسلم – في حامل القرآن: "من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين
جنبيه، غير أنه لا يوحي إليه..." لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجُد،
ولا يجهل مع من جهل، وفي جوفه كلام الله" أخرجه الحاكم في المستدرك من
حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ومعنى الحديث أن صاحب القرآن شأنه عظيم، فلا ينبغي له أن يرتكب من الأعمال
ما يكون قبيحاً، ولا أن يتساهل في أمر دينه، بل يكون محافظاً على الواجبات
وعاملاً بكل ما يستطيع من نوافل الخير المرغب فيها.
وليس المقصود أن يكون صاحب القرآن بعيداً وممتنعاً من الطيبات التي أباحها
الله، ولا أن يضيق على نفسه ما وسعه الله، بل المقصود أن ينزل كلام الله
منزلته اللائقة فيحترم حدود الله ولا يتجرأ على محارمه.
وهذا هو الدواء الحقيقي للسؤال الذي سألته، فإنك قادر على ترك الاستماع
إلى الحرام، بل وقادر على ترك كل محرم، إذا علمت أن الله قد فرض ذلك عليك،
فكيف وأنت حامل كلام الله الذي شأنه أن يكون قدوة للناس، وإماما لهم في
الخير، وهذا هو الذي بينه صلوات الله وسلامه عليه في الحديث السابق وكما
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً
ويضع به آخرين"، فحاول أن تتدبر هذه المعاني وأن تتوقف عندها، وأيضاً فإن
فيما أباحه الله سعة، فإن كنت ممن يحبون الاستماع إلى شيئاً من اللهو ، فلا
بأس لو أنك استمعت إلى بعض الأناشيد الإسلامية ذات المعاني الحسنة، والتي
تكون خالية من الموسيقى فهذا شيء يمكن أن يعوضك عن الاستماع المحرم، ولا
ريب أن استعمال المباحات هو المتعين في مثل هذه الحال التي أنت فيها.
ونوصيك أيضاً بالدعاء، وأن تسأل ربك الكريم أن يعينك على طاعته، كما ثبت
عنه صلوات الله وسلامه أنه علمنا أن نقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك
وشكرك وحسن عبادتك، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ( يا مصرف القلوب
صرف قلبي على طاعتك)، وأيضاً فنوصيك بالرفقة الطيبة الصالحة التي تعينك على
الخير وتدلك عليه.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد!!