:10:
تجولت في العديد من القرى في عالمنا الثالث، بل وحتى في العديد من أحياء المدن، لصدمت عيناك غابة من الاسمنت المسلح استعاض بها عالمنا عن الغابات الخضراء والمساحات ذات الطبيعة المتألقة بالجمال فمعظم الأبنية لايسترها من الخارج سوى البلوك والاسمنت اللذين قامت عليهما هذه الأبنية دون أي محاولة لاضفاء بعض الجمال عليها، بل على العكس يكونان مشهداً يقتل الجمال الذي ربما وفرته الطبيعة لهذه المناطق والقرى، وكأن هذا المنظر الخارجي ليس مسؤولية صاحب البناء وقاطنه. ولعله يفهم أن مسؤوليته تنحصر فقط بالكساء الداخلي للمنزل أو المبنى. هذا الكساء الذي يمكن أن يتراوح بين البسيط والمتواضع ويصل حتى البذخ في بعض الأحيان، ولكن دون أي إلتفاتة للمظهر الخارجي ..أو لو خطر ببالك مثلا ان تقوم برحلة الى أحضان الطبيعة وأخترت مكانا عرف بجمال طبيعته ونقاء هوائه وحزمت امتعتك ولممت أهلك وانطلقتم وانتم تتخيلون المتعة وراحة البال التي ستحصلون عليها ولكنكم للاسف ستفاجئون وترون مالم تروه من قبل
لو قمت برحلة جوية فوق الاراضي العربية تتمتع بمنظرها سوف تهيم حبا بما ستراه من مزاجية في وضع الأطباق الهوائية على أسطح المباني و ظهورقضبان حديد التسليح على أسطح المباني وترك خزانات المياه وأعشاش تربية الطيور والدواجن على الأسطح دون أي محاولة لمعالجتها
ولا تنس الغسيل المنشور في بلكونات المباني السكنية بشكل يبعث على الاشمئزاز
هذا وغيره الكثير مناظر لاتعد وامثلة لا تحصى وكأن انعدام الذوق العام أصبح موضة هذا العصر
التلوث البصري Visual pollution
تعاريف ومصطلحات
التلوث البصري
هو اختفاء المظاهر الجمالية وهو تشويه لأي منظر تقع عليه عين الإنسان يحس عند النظر إليه بعدم ارتياح نفسي. ويمكننا وصفه أيضاً بأنه نوع من أنواع انعدام التذوق الفني، أو اختفاء الصورة الجمالية لكل شئ يحيط بنا من أبنية … إلي طرقات… أو أرصفة … وغيرها. من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة ar.wikipedia.org
هي نتائج أنشطة إنسانية تحدد ملامح الفراغ وطابعه وصفاته وتدخل هذه الأنشطة والوظائف في الفراغات كجزء من الصورة البصرية .
التصميم البيئي:
هو تنظيم للبيئة بجوانبها العمرانية والمعنوية والحسية وفقاً لمتطلبات المجتمع الذي له مشهد حضري ( TOWN SCAPE ) والذي يُعنى بالمظهر العمراني للفضاءات الحضرية وتحديد العناصر التي تحقق الإحساس بالجمالية وطريقة ارتباط تلك العناصر مع بعضها البعض وهو ما يرتبط بدوره بالبيئة التي يقع فيها .
التصميم البصري
هو شعور نفسي ناتج من الحس البصري للعناصر المكونة للمحيط المادي والمعنوي . يهدف التصميم البصري إلى توفير بيئة صحية آمنة تؤدي وظيفتها بكفاءة , إضافة إلى كونها ذات خصائص جمالية مميزة سواء التي أوجدتها الطبيعة أو التي صنعها الإنسان
التلوث البصري هو كل ما يوجد من أعمال من صنع الإنسان تؤذي الناظر لدى مشاهدتها وتكون غير طبيعية ومتنافرة مع ما حولها من عناصر أخرى فهي ملوثة للبيئة المحيطة بهاو تختفي المظاهر الجمالية عندما تقع عين الإنسان على منظر ينعدم فيه الذوق الفني فتشعر بعدم الارتياح النفسي
بداية أريد القول أننا دائماً نسمع عن تلوث الهواء وتلوث الماء وعن الضجيج وغيرها, لكننا قليلاً ما نجد من يتحدث عن شي يدعى التلوث البصري.
وفي اعتقادي, السبب هو أن بصرنا تعود على رؤية المناظر المشوهة في بلدنا الجميل. فما أن نلتقي أي منظر طبيعي جميل حتى نفاجأ بعد لحظات بوجود بناء معمل أو مشحم أو مكان لإصلاح السيارات (وقد رمى ما بقي من قطع السيارات القديمة إلى ظهر المحل), أو معمل للبلوك من أجل تزويد منازل المخالفات بما ينقصها من مؤن لتكسو جبالنا بدلاً من الأشجار.
عندما تمر من وسط غوطة دمشق, فإنك سوف تتمنى أن يبقى منظر الطبيعة البريء لمدة خمس دقائق فقط دون أن يقاطعه منظر منزل من البلوك أو كومة من الرمل أو بقية قمامة أو مجموعة أبنية مبعثرة منها ما اكتمل بناؤه ومنها ما تركت أعمدة الطابق العلوي تنتظر من صاحبها إتمام المخالفة التي كان قد بدأ بها.
وأكثر المشاهد التي استوقفتني, قيام صاحب أحد المطاعم في منطقة الغوطة (أعطاه الله العافية والقوة), بقطع عدد من أشجار الجوز المعمرة أمام مطعمه وتركه الجذع الأساسي فقط وقيامه بدهن هذا الجذع البائس باللون الأبيض كنوع من الإبداع البيئي الذي لم نسمع به من قبل وذلك كون أشجار الجوز مسؤولة بشكل مباشر عن تغطية مطعمه ومنع أعين الزوار من رؤية المطعم.
وكذلك عتبي على المحافظة الكريمة التي تقوم الآن بتنفيذ سور حجري على محيط البارك الشرقي فلطالما كنا نستمتع برؤية تلك البساتين الفطرية الموجودة على يمين مدخل دمشق الشمالي, والتي تذكرنا بما كانت عليه دمشق, ومنظر النهر الذي يمر من وسط المدينة وقد انعكست على سطحه أشجار الجوز والتين, فإني أسأل المحافظة لماذا تقوم بتسوير هذه البساتين؟ هل هذه البساتين معرضة للسرقة أم ماذا؟.
إذا كان الموضوع لحماية هذه البساتين فنحن نؤيد ذلك ولكن بطريقة مختلفة تماماً.
ألم يعلم من قام بتصميم هذه (التصوينة) بأن خلفها طبيعة رائعة وبقية باقية من بساتين دمشق يجب أن يراعي في تصميمه عدم حجب هذا المنظر الجميل, أو أنه يريد أن يلفت نظرنا إلى جمال (التصوينة) بدلاً من جمال الطبيعة, فنجده قد وضع بمعدل كل ثلاث أمتار كتلة من البلوك والإسمنت والمكسوة بأصناف من الحجر بعرض مترين وارتفاع مترين ونصف لتمنع عنا رؤية أي منظر للبساتين, هذا بغض النظر عن الكلفة الكبيرة لمثل هذا الإكساء الذي في غير محله.
فكان بالإمكان الاستعاضة عن هذه الكتل الحجرية, بسياج بسيطة من الأنابيب الأفقية التي لاتمنع الرؤية وتمنع من يراد منعه من اللصوص وخلافه.
في الحقيقة يوجد عدم وعي على الإطلاق, فهل يكون لدينا منظر رائع ونقوم بوضع حواجز تمنعنا من رؤيته!؟.
وسوف أذكركم بتجربة رائعة قامت بها المحافظة على طريق الربوة حيث قامت بهدم (التصوينة) القديمة المرتفعة التي تمنع رؤية نهر بردى الجميل واستبدلتها بسياج بسيطة مؤلفة من بوريين أفقيين وكتلة إسمنتية بسيطة بارتفاع نصف متر وعرض نصف متر, هذا السياج لايمنع بأي شكل من الأشكال رؤية هذا النهر الجميل.
أنا لاأريد أن انتقد لمجرد الانتقاد, كما أنني لاأخص التلوث البصري في دمشق فقط, فإنني أشعر بنفس الغصة عندما أمر بجبال سورية الرائعة, ولاأستطيع أن أقطع مسافة قصيرة جداً دون أن أرى مشاهد التشوه, حتى أتقاطع مع بناء عشوائي أو ما شابه ذلك مما ذكرت سابقاً.
وأود هنا أن أذكر ما كان قد فاجأني عندما وصلت إلى مشارف المدينة التاريخية تدمر, عندما وجدت (محطة وقود) عند مدخل المدينة, قرر صاحبها أن يقوم بدهن واجهتها بعدد من الألوان المتنافرة حسب ذوقه الخاص كنوع من أنواع فنون العمارة التي لم أسمع بها والتي لاتتناسب أبداً مع لون التربة المشبع بالتاريخ الموجودة في تلك المنطقة. الذي أريد أن أصل إليه, هو أن الزائر السوري أو الأجنبي, عندما يحضِّر نفسه لزيارة موقع معيِّن, يخيَّل إليه صورة جميلة لذلك الموقع حسب ما سمع أو قرأ عنه, فنحن لانريد أن يشعر بخيبة الأمل عندما يصل إلى ذلك الموقع و يراه مشوهاً من كل النواحي.
سنتكلم عن بعض الأمثلة، ومسبقاً نطلب العذر من أهالي بعض المناطق، الذين نجلهم ونحترمهم، ولكننا وإن نطرح هذا الموضوع فإننا نطرحه بشكل عام، والأمثلة المذكورة هي للتوضيح، وإنما يمكن تعميمها على العديد من المناطق.
فعندما تزور مناطق مثل النبك وديرعطية، لا بد لك أن تتساءل عن سر التطور الذي شهدته ديرعطية من الناحية التجميلية، وضمناً من ناحية الإجتماعية والثقافية. في حين أن من يعرف المنطقة جيداً، يعرف أن سكان النبك تاريخياً كانوا بوضع أفضل من حيث الحالة الإقتصادية من سكان ديرعطية، ولكن الحقيقة أن ديرعطية اليوم هي أهم منطقة من حيث التطور في جبال القلمون، فهي تحتوي متحفا جميل ومشفى متطور وجامعة مهمة وطرقات نظيفة ومليئة بالنواح التجميلية، بالإضافة إلى العديد من المباني الجميلة الأخرى، والأشجار المعتنى بها رغم الجفاف الذي تعاني منه المنطقة، والكثير من النصب التراثية والتذكارية والتجميلية. في حين أن النبك تراجعت برأينا من الناحية الجمالية، وطغى عليها اللون الرمادي. وهنا يحق لنا أن نتسآل عن السبب، مع حبنا وتقديرنا لسكان النبك ولسكان ديرعطية، ولكننا نترك الإجابة للسادة القراء.
وعندما تزور مناطق سياحية كمشتى الحلو والكفرون وصلنفة… إلخ، تبهرك الطبيعة بمناظرها الخلابة، كما تبهرك عناية الأفراد بمنازلهم، مما يعكس مقدار رقيهم ووعيهم لأهمية هذا الجمال لوضعهم الإجتماعي والإقتصادي، ولكنك تفاجأ أيضاً بأمور لا يمكن وصفها بأقل من النشاز، فها هنا جمعية سكنية قضمت الجبل الأخضر وزرعت بدلاً عنه عشرات بل مئات الشقق السكنية، وهناك أبنية أخرى تجاوزت السبع طوابق، فحجبت الرؤية عن ما يليها من أبنية، وعززت ثقافة الإسمنت والبلوك. كما ستجد أولئك الذين يطيب لهم التمختر في سياراتهم مطلقين العنان لأبواق تلك السيارات وأصوات المسجلات، وذلك على مرأى من الجميع ودون أي رادع، وينضم إليهم الباعة الذين يحتلون الأرصفة، وأيضاً يطلقون العنان لأجهزة الصوت الموجودة لديهم، فتتحول هذه المناطق الجميلة من مكان للراحة والإسترخاء إلى أماكن للتوتر والتلوث البصري والسمعي.
هذه الصورة الجميلة من مشتى الحلو تبرز جمال الأبنية التي تركها لنا أبائنا وأجدادنا، رغم قلة عنايتنا بها، فعلى ما يبدو الحس الجمالي لديهم كان أفضل بكثير من أيامنا هذه.