القراء الأعزاء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسأل الله أن يثبتنا عند لقائه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وفي سائر المواقف على الحق المبين.
والسؤال هل يأتي الشيطان في صورة الكافرين ويدعوه إلى الكفر بالله في سكرات الموت، سنرى بعض ما كتب في ذلك.
فتنة الموت
الأعمال بالخواتيم: محمد حسان 5/126 الشاملة (3)
إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد لما نام على فراش الموت أتاه ولده عبدالله ليلقنه الشهادة، ويذكره بـ(لا إله إلا الله)، ولكن الإمام كان لا يتكلم إلا بكلمة واحدة، ولا يصرخ إلا بها، ولا ينطق إلا بها، كان يقول: لا، لا، لا ولما أفاق الإمام من سكرات الموت وكرباته وهوله، سأله ولده وهو يبكي: يا أبت! أقول لك: قل: لا إله إلا الله وأنت تقول لي: لا، لا؟ فرد الإمام وقال: يا بني! أنا لا أتحدث معك، أتاني شيطانان، جلس أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري يقول لي الأول: يا أحمد ! لقد فتنا في دنياك ولو فتنا اليوم ما أدركناك بعد اليوم، يا أحمد! مت يهودياً؛ فإنه خير الأديان، والآخر يقول: يا أحمد! مت نصرانياً؛ فإنه خير الأديان، وأنا أقول: لا، لا، بل على دين محمد r، على (لا إله إلا الله) على كلمة التوحيد والإخلاص، أتدرون من هذا الذي ذهبت إليه الشياطين لتضله؟ إنه إمام أهل السنة والجماعة.
القبر أول منازل الآخرة: محمد الحسن الددو الشنقيطي 5/11:
فمن الناس من يمنع الفتان كالمرابط في سبيل الله، ومن قتل شهيداً في سبيل الله، وأما من سواهم فيأتيه الفتان فيقول له: مت على دين اليهودية، مت على دين النصرانية، ويريه صورة أبويه وغير ذلك مما يفتنه، فمن ثبته الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا فسيختم بخير، ولهذا قال الله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] .
وفي التذكرة في أحوال الموتى والآخرة: للقرطبي ص: 33
روي عن النبي r أن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان الواحد عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي عن يمينه على صفة أبيه، يقول له: يا بني إني كنت عليك شفيقاً ولك محباً، ولكن مت على دين النصارى فهو خير الأديان، والذي على شماله على صفة أمه، تقول له: يا بني إنه كان بطني لك وعاء، وثديي لك سقاء، وفخذي لك وطاء، ولكن مت على دين اليهود وهو خير الأديان، ذكره أبو الحسن القابسي في شرح رسالة ابن أبي زيد له، وذكر معناه أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة،
وإن عند استقرار النفس في التراقي والارتفاع تعرض عليه الفتن وذلك أن إبليس قد أنفذ أعوانه إلى هذا الإنسان خاصة واستعملهم عليه ووكلهم به، فيأتون المرء وهو على تلك الحال فيتمثلون له في صورة من سلف من الأحباب الميتين الباغين له النصح في دار الدنيا، كالأب والأم والأخ والأخت والصديق الحميم، فيقولون له: أنت تموت يا فلان ونحن قد سبقناك في هذا الشأن فمت يهودياً فهو الدين المقبول عند الله تعالى، فإن انصرم عنهم وأبي، جاءه آخرون وقالوا له: مت نصرانياً فإنه دين المسيح وقد نسخ الله به دين موسى ويذكرون له عقائد كل ملة، فعند ذلك يزيغ الله من يريد زيغه وهو معنى قوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أي لا تزغ قلوبنا عند الموت وقد هديتنا من قبل هذا زماناً، فإذا أراد الله بعبده هداية و تثبيتاً جاءته الرحمة، وقيل: هو جبريل عليه السلام فيطرد عنه الشياطين ويمسح الشحوب عن وجهه فيبتسم الميت لا محالة، وكثير من يرى متبسماً في هذا المقام فرحاً بالبشير الذي جاءه من الله تعالى فيقول: يا فلان أما تعرفني؟ أنا جبريل وهؤلاء أعداؤك من الشياطين مت على الملة الحنيفية والشريعة الجليلة. فما شيء أحب إلى الإنسان وأفرح منه بذلك الملك، وهو قوله تعالى: وهب لنا من لدنك رحمة
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي الخرقة لأشد لحييه، فكان يغرق ثم يفيق و يقول بيده: لا بعد لا بعد. فعل هذا مراراً فقلت له: يا أبت أي شيء ما يبدو منك؟ فقال: إن الشيطان قائمٌ بحذائي عاضٌ على أنامله يقول: يا أحمد فتني وأنا أقول لا. بعد لا. حتى أموت.
قلت: وقد سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي بثغر الإسكندرية يقول: حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد بن محمد القرطبي بقرطبة قد احتضر. فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: لا. لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي. يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان، والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان فكنت أقول لهما: لا لا إلي تقولان هذا؟ وقد كتبت بيدي في كتاب الترمذي والنسائي عن النبي r إن الشيطان يأتي أحدكم عند موته فيقول: مت يهودياً مت نصرانياً فكان الجواب لهما لا لكما.
قلت (القرطبي): ومثل هذا عن الصالحين كثير يكون الجواب للشيطان لا لمن يلقنه الشهادة. وقد تصفحت كتاب الترمذي أبي عيسى، وسمعت جميعه، فلم أقف على هذا الحديث فيه، فإن كان في بعض النسخ، فالله أعلم.
وأما كتاب النسائي فسمعت بعضه وكان عندي كثير منه. فلم أقف عليه وهو نُسَخٌ. فيحتمل أن يكون في بعضها. والله أعلم.
وأخرج أبو داود (1552) والنسائي (5531 و5532 و5533) (بسند صحيح): عَنْ أَبِي الْيَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا». وزاد أبو داود في (1553): «وَالْغَمِّ».
وقال النسائي في (5533) (بسند صحيح): عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ السُّلَمِيِّ. والصواب (أبي اليَسَر).
اللههم قنا فتنة المحيا والممات وفتنة الدجال وعذاب القبر..
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آمين.
واللهـ اعلم
م/ن